انتصار عبد المنعم Admin
عدد الرسائل : 93 تاريخ التسجيل : 06/03/2009
| موضوع: دكتورة سميرة موسى.. حلم مصرى لم يكتمل الإثنين 03 مايو 2010, 7:16 pm | |
|
سميرة موسى.. لم تكن شخصا عاديا بل هى حالة.. فتاة جميلة..عاشقة للعلم.. الأولى على القطر المصرى فى البكالوريا.. أول معيدة فى تاريخ جامعة فؤاد الأول.. ألفت أول كتاب لها فى الجبر، وهى فى السابعة عشرة من عمرها، حلم عمرها كان العلم.. تهدد بالانتحار للالتحاق بالجامعة.. وصلت إلى درجة الدكتوراة فى سبعة عشرة شهرا من لندن.. هوايتها الذرة والعزف على العود.. دكتورة متطوعة فى مستشفى القصر العينى لعلاج مرضى السرطان بالراديوم مجانا.. رغبة فى أن تجعل العلاج بالراديوم كالعلاج بالأسبرين.. توصلت إلى معادلة خطيرة تتيح للجميع امتلاك قنبلة نووية مجانا.. استحقت عن جدارة لقب مدام كورى المصرية.. سافرت إلى أمريكا لتلبية دعوة "برنامج فولبرايت الذرى" لزيارة المعامل الذرية.. عادت إلى مصر جثة محنطة وهى بكامل زينتها وكأنها عروس فى ليلة زفافها جسدها سليم تماما بدون أى كسور أو خدوش راقدة فى صندوق بلاتينى.. حادث أليم فى ظروف غامضة.. سقوط السيارة التى تقلها بين جبال ولاية كاليفورنيا الوعرة.. ترقد فى قبرها على عكس الموتى فوق الأرض وليس تحتها.. لم تتحلل وكأنها أميرة فرعونية.. تحول منزلها إلى ورشة نجارة وقهوة وأيضا مقلب للقمامة.. لا توجد قاعة محاضرات تخلد اسمها.. ولا حتى شارعا فى شوارع مصر باسمها.. رحلت قى صمت وهدوء شديد، كما عاشت فى هدوء "كعادتها"، بعد أن كتبت آخر كلماتها فى مفكرتها الشخصية "ثم غربت الشمس".. غربت شمس سميرة موسى.. ولكن اسمها ظل وسيظل باقيا..
هى عالمة الذرة المصرية سميرة موسى على، ولدت فى(9 من جمادى الأولى 1335ه - 3 من مارس 1917م) بقرية سنبو الكبرى مركز زفتى بمحافظة الغربية بمصر، حفظت القرآن الكريم فى سن مبكرة، كان لوالدها مكانة اجتماعية مرموقة بين أبناء قريته، وكان منزله بمثابة مجلس يلتقى فيه أهالى القرية ليتناقشوا فى كافة الأمور السياسية والاجتماعية. كانت طفلة غربية الأطوار، لا تتكلم كثيرا فقد كانت شديدة الهدوء.
كانت تتمتع بذاكرة فوتوغرافية بحيث يمكنها حفظ الشئ بمجرد قراءته، وهذا أول ما لفت الأنظار إليها فعندما توفى سعد زغلول عام 1927 امتلأت الصحف بالنعى وتأثرت الطفلة سميرة موسى، ذات السنوات العشر، بهذا الحدث العظيم، وفى المساء التالى لذلك اليوم دخل ناظر المدرسة "مدرسة سنبو الابتدائية" وهو مضطرب على والدها موسى على وقال.. ـ بنتك سميرة! - خير مالها؟ - أوعى تخليها هنا.. خدها وروح على القاهرة. فاندهش والدها من هذا الكلام، فبدأ الناظر يشرح له قائلا: أعطيت الصحيفة فى الصباح التى كانت مليئة بأعمدة النعى لابنتك سميرة.. وبعد عشر دقائق طلبت منها أن تقرأ على زميلاتها بعض الجمل التى كتبت فى النعى، ولم تكن ممسكة بالجريدة، فطلبت منها الذهاب لإحضارها.. لكنها فاجأتنى قائلة "لا داعى لإحضار الجريدة لقد حفظت كل ما كان مكتوبا بها عن ظهر قلب"، وبالفعل بدأت تلقى علينا ما حفظته.
انتقلت سميرة موسى مع والدها إلى القاهرة فى عام 1928 وأصبحت تلميذة فى مدرسة قصر الشوق الابتدائية. وبعد حصولها على الابتدائية اختارتها السيدة نبوية موسى بسبب تفوقها لتصبح طالبة فى مدرسة الأشراف، التى كانت تديرها نبوية موسى.. وحصلت على شهادة الثقافة (الإعدادية)، وأصبحت على باب الحصول على البكالوريا فى نفس المدرسة.
ولكنها طلبت من والدها أن تنتقل إلى مدرسة أميرية، وترك المدرسة التى يدرس بها أشراف القاهرة، لم يرفض والدها مباشرة ولكنه طلب منها مبررا لهذا، فأجابته أن مدرسة الأشراف لا يوجد بها معامل، وأنها تريد أن تقف فى المعمل حيث إنها أصرت على الالتحاق بشعبة العلوم، ولكن تمسكت بها السيدة نبوية موسى بسبب تفوقها، خاصة وأنها الولى على القطر المصرى فى شهادة الثقافة، فجهزت خصيصا لها معملا صغيرا بالمدرسة.
وقبل امتحان البكالوريا، وهى فى سن 17 سنة، طلبت من والدها أنها تريد عمل كتاب فى الجبر لأن كتاب الوزارة صعب على زميلاتها وأنها تريد أن تسهل لهن الدراسة فوافق والدها وفوجئ الأب بالكتاب بين يديه وقد كتبت عليه "كتاب الجبر الحديث.. الجزء الأول لطلبة السنة الثانوية.. تأليف سميرة موسى بمدرسة الأشراف".
وفى الصفحة الأولى كتبت "كل نسخة بدون إمضاء المؤلفة.. تعد مسروقة، سميرة". وتحمل الصفحة التالية إهداء.. "إلى أستاذى الفاضل محمد أفندى حلمى.. جاز لى أن أتقدم بكتابى الجبر الحديث إليكم بعد انتهائى من تأليفه، وهو الثمرة التى نتجت من غرس أياديكم البيضاء.. فهذا الكتاب راجية أن يحوز عطفك السامى ورضاك.. المهداة.. سميرة موسى على".
وكان الجميع فى قلق، ماعدا سميرة، منتظرين نتيجة امتحان البكالوريا، وكانت المفاجأة بأنها الأولى على القطر المصرى.
وفرح الجميع وكانت الخطوة التالية هى زواج سميرة وجلوسها فى المنزل كمثيلاتها، ولكنها طلبت الالتحاق بالجامعة فرفض والدها، وأصرت هى على طلبها وقالت له "لو ما روحتش الجامعة هارمى نفسى من الشباك".
وبالفعل التحقت بجامعة فؤاد الأول "القاهرة حاليا" بكلية العلوم، ويذكر الدكتور محمد موسى، عميد كلية العلوم السابق، بأنها جاءت إلى الكلية متأخرة بضعة أسابيع عن زملائها وزميلاتها وأنه سألها فى أول محاضرة عن ما ستفعله فى المواد المتأخرة، فأجابته بكل هدوء قائلة: سأحاول.. سأحاول..
كانت حياتها فى الجامعة تنحصر بين المدرج والمعمل.. ولم تكن تمل من العمل.. كان الجميع يشهد بأنها شخصية هادئة.. معتزة بنفسها.. رزينة.. تحب الخدمة العامة. وبعد عودتها إلى المنزل تقضى أوقاتا مع عائلتها ثم تجلس بمفردها فى غرفتها تقرأ وتعزف العود وأحيانا تكتب.
كتبت فى العلوم، كتبت مقالا عن إينشتاين نشر فى الأهرام، ألفت فى سن مبكرة كتابا عن مدام كورى، وقرأت لتولستوى وجان جاك روسو وكتبت عنهما.
وفى عام 1939 حصلت سميرة موسى على بكالوريوس فى الطبيعة بامتياز مع درجة الشرف، ولم تكن الدفعة التى تخرجت فيها مكونة سوى من اثنين.. هى وزميلها د. محمد على، وهنا ظهرت أمامها عقبة أخرى فقد رفضت الجامعة تعيينها معيدة، ولكنها لم تتنازل عن حقها وكان يساندها د.على مشرفة، عميد كلية العلوم وقتها، وهدد بالاستقالة إذا لم تعين، وأمام تلك الضغوط وافقت الجامعة وعينت سميرة موسى معيدة بكلية العلوم.. لأول مرة بتاريخ جامعة فؤاد الأول.
وعندما أعدت الجامعة بعثة للسفر إلى الخارج كانت ضمن المرشحين للسفر لنيل درجة الماجستير.. إلا أنها اضطرت إلى البقاء فى مصر، وذلك لاندلاع الحرب العالمية الثانية، ولقد كانت المشكلة التى تؤرقها دائما هى عدم وجود معمل تجرى فيه أبحاثها وتكتشف فيه نتائج المعادلات الكيميائية. وفى عام 1942 حصلت على درجة الماجستير فى "التوصيل الحرارى للغازات"، كان الموضوع لافتا للنظر، خاصة عندما أشارت إلى قدرة بعض الغازات على إحداث تأثير حرارى قاتل.. وأن هناك غازات إذا ما تم تكثيف ذراتها بشدة قد تنفجر وتحرق مدينة كاملة.
لم يفهم المحيطون ما تعنيه سميرة موسى على وجه الدقة، ولكن الجميع فهم ما كانت تقصده سميرة عندما قصفت أمريكا بعض الجزر اليابانية بالقنبلة الذرية، وهنا أدرك الجميع تماما فى داخل مصر وخارجها ما كنت تقصده سميرة موسى، فأرسلت إنجلترا منحة دراسية لسميرة موسى لمدة ثلاث سنوات للحصول على درجة الدكتوراة واشترطت أن يكون موضوع بحثها "الإشعاع النووى" وكان ذلك فى نهاية عام 1945، لكن إنجلترا سحبت المنحة لأسباب غير معلومة.
وفى عام 1947 جددت إنجلترا عرض المنحة الدراسية، وسافرت إلى لندن فى يناير.. وأثناء وداعها فى المطار سألها أحد زملائها "هل ستستطعين الحصول على الدكتوراة فى ثلاث سنوات فقط؟".. فقالت له.."دول كتير قوى"، وبالفعل حصلت على الدكتوراة فى 17 شهرا، وكان موضوع الرسالة "خصائص امتصاص المواد لأشعة X"، فأرسلت لها الجامعة للعودة إلى مصر، لأن مهمتها قد انتهت إلا أنها أصرت على قضاء السنوات الثلاث، وقضتها فى الأبحاث، وهناك توصلت إلى معادلة خطيرة تساعد فى تفتيت ذرات المعادن الرخيصة والمنتشرة (كالنحاس) مما يعنى إتاحة الفرصة للجميع لامتلاك القنبلة النووية مجانا تقريبا.
وفى الوقت الذى أدرك فيه العالم أجمع أهمية أبحاث سميرة موسى، وأصبحت مصدر قلق بالنسبة لأمريكا ولإسرائيل، وفى الوقت الذى لقبها أستاذها "البروفسور فلينت" بأنها مدام كورى المصرية فعندما عادت إلى مصر لم تجد المعونة الكافية فى مصر بل أسند إليها تدريس مادة البصريات النظرية، فقبلت هذا لعدم وجود معمل بكلية العلوم يسمح لها بإجراء تجاربها وأبحاثها. بدأت تطالب الدولة والأثرياء بالمشاركة فى تجهيز معمل لكلية العلوم الوحيدة فى مصر ولكنها باءت بالفشل.
وقررت سميرة موسى الاتجاه إلى العمل الميدانى فتطوعت للعمل فى مستشفى القصر العينى مجانا، فكانت تعمل بين الفقراء المرضى بالسرطان وتحاول علاجهم بالراديوم، حتى كان يصعب تمييزها من بين بقية الممرضات، حتى ثار عليها مدير جامعتها قائلا "هل تريدين أن تعملى تومرجية وأنت أستاذة بالجامعة؟" فأجابته بهدوء شديد "أريد أن أجعل العلاج بالراديوم كالعلاج بالأسبرين".
تبنت سميرة موسى فكرة مهرجان علمى دولى يقام فى كلية العلوم تحت شعار "الذرة من أجل السلام" ودعى إلى المؤتمر شخصيات علمية كثيرة ونجح نجاحا باهرا، وخرج بتوصية لتكوين "لجنة الوقاية من أخطار القنابل الذرية "وبعد فترة بسيطة أصبحت سميرة موسى عضوا فى هذه اللجنة.
ثم وجهت دعوة لسميرة موسى من "برنامج فولبرايت الذرى" وسافرت بالفعل إلى أمريكا وفى آخر خطاب منها لوالدها قالت فيه" مفيش أجهزة جديدة على.. لكن وجودى فى هذا المعهد لدراسة استخدام المواد المشعة فى العلاج.. وهى هنا متقدمة جدا عن إنجلترا.. لو كان فيه معمل فى مصر يابابا.. كنت قدرت أعمل حاجات كثير".
كانت هذه هى آخر أمنيات سميرة موسى! وفى يوم 18 أغسطس وجهت دعوة لسميرة موسى لزيارة بعض المعامل فى" كاليفورنيا " ( وهى ولاية ذى مسالك جبلية وعرة)، وفى اليوم المحدد استقلت سميرة موسى السيارة بصحبة سائق هندى وأثناء سيرها على منحنى جبلى صدمتها سيارة بعنف من الخلف لتسقط السيارة وتموت سميرة موسى!
وعندما وصلت الشرطة إلى مكان الحادث وجدوا جثة سميرة موسى فقط ولم يعثروا على جثة السائق واختفى تماما وأظهرت التحقيقات أنه قفز من السيارة واختفى إلى الأبد.. كما كشفت أنه يحمل اسما مستعارا، كما أظهرت التحقيقات أن الصدمة الخلفية للسيارة حدثت من اصطدام شاحنة بالسيارة والمثير أن الشاحنات ممنوعة من السير فى هذه الطرق الجبلية!
وفى يوم 19 أغسطس نشر خبر صغير فى جريدة المصرى "قال المتحدث باسم السفارة المصرية فى واشنطن أن الآنسة سميرة موسى الطالبة المصرية التى تتلقى العلم فى الولايات المتحدة الأمريكية قتلت فى حادث سيارة بعد أن أتمت دراستها فى جامعة أوكردج بولاية ننس الأمريكية، والمفهوم أنها كانت تقود سيرتها الخاصة عند وقوع الحادث"!.
وذهبت الأسرة إلى المطار لاستلام جثمان سميرة موسى، ولكن كانت المفاجأة فقد استلموا صندوقا بلاتينيا ضخما وثقيل، وبعد عودتهم إلى المنزل فتحوا الصندوق فوجدوا سميرة موسى وكأنها لم تمت! فقد كانت محنطة.. ترتدى فستانا أسود وممسكة فى يدها بمنديل حريرى وأظافرها قد زينت بالطلاء.. وكانت حافية ومعطرة وكان الجزء الواضح من جسدها سليما بدون أى كسور أو خدوش.. فأصيب الجميع بالذهول!!
نقل الصندوق إلى مدافن العائلة بالبساتين وتم وضعه خلف حاجز معدنى بحيث يستطيع لمن يقف فى الخارج أن يرى الصندوق البلاتينى.
قامت الدولة بتكريمها بعد فترة من وفاتها حيث أقام سلاح الإشارة حفلا بأرض الجزيرة حضرة بعض المسئولين الحكوميين. ثم قام السادات بتكريم اسمها فى عيد العلم عام 1979.. ولم يفتح موضوع وفاتها حتى الآن!! ولا يطلق اسم سميرة موسى على أى قاعة محاضرات أو على شارع من شوارع مصر التى راحت ضحية من أجلها!!
وبعد الوفاة بفترة أرسلت أمريكا لوالدها أشياء سميرة موسى الخاصة ومن بينها مفكرة سوداء صغيرة تسجل بها يومياتها الخاصة..
وكتبت فى آخر صفحة عبارة غامضة بعد سطور مليئة بالتعب والوجع "ثم غربت الشمس"!!. أى شمس كانت تقصد سميرة موسى؟!!. رحمة الله على سميرة موسى، وكل العلماء المصريين الذين راحوا ضحية العلم والسياسة ريم أبو الخير/اليوم السابع
.
| |
|